خير الدواء: الحجامة
د.عبدالله القشيري
مؤسس و رئيس قسم الطب الطبيعي و التكميلي و البديل بمجمع الطب الشمولي في الرياض
يُقصد بالحجامة سحب الدم من باطن الجسم إلى سطح الجلد عبر استخدام كاسات أو محاجم ذات أشكال و أحجام مختلفة. وتُقسّم إلى قسمين رئيسيين: الحجامة الدامية أو الكاملة وفيها يتم إخراج الدم المحتقن عبر خدوش سطحية على الجلد لا تتجاوز 5 مم بواسطة مشارط حادة مخصصة . كما يمكن ترك الدم المحتقن بدون تشريط وتسمى هذه العملية "الحجامة الجافة". وتتنوع استخدامات الحجامة بدأً من ألام المفاصل و العضلات مروراً بتحسين الجهاز الدوري والمناعة انتهاءا بالتوازن النفسي و الروحي للإنسان
ويعود تاريخ الحجامة إلى أكثر من خمسة لآلاف عام حيث كانت أحد أهم الوسائل العلاجية لكثير من حضارات العالم. فقد استخدمتها حضارات آشور وبابل ووجدت رسوم فرعونية تدل على الحجامة وسحب الدم من سطح الجلد عبر الكأس في معبد كوم أمبو ومقبرة الملك توت عنخ آمون. كما جاء ذكرها في بردية أيبرز والتي تعود لعام 1550 قبل الميلاد وتعد أقدم المراجع الطبية المعروفة.
أما في الطب الصيني فتعتبر الحجامة (خاصة الجافة) من أساسيات العلاج وذكرت في كتاب الأمراض الداخلية للإمبراطور الأصفر الذي حكم عام 2500 قبل الميلاد.
وكان الهنود في الطب الأيورفيدي والذي يعود إلى 5000 سنة يستخدمون القرون المجوفة لبعض الحيوانات أو أغصان شجر البامبو أو كؤوس الفخار ومن ثم الزجاج لسحب الدم وتفريغ الهواء وإخراج الدم من الجسم. كما استخدمت الحجامة في عهد الفيلسوف اليوناني ابوقراط والذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد ثم الرومان إلى أن جاء الإسلام. و أقرها سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و عملها و أمر بها. فروى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "الشفاء في ثلاث: شربة عسل, و شرطة محجم , وكية بنار و أنا أنهى أمتي عن الكي". وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم "احتجم وأعطى الحجّام أجره" وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحتجم ثلاثا: واحدة على الكاهل (أعلى الظهر) واثنتين على الأخدعين (أعلى العنق)"
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حجمه أبو طيبة فأمر له بصاعين من طعام و كلّم مواليه فخففوا عنه من ضريبته و قال: خير ما تداويتم به الحجامه".
أما في الطب الحديث فقد بينت الدراسات فوائد الحجامة في علاج عدد من المشاكل الصحية مثل:
1) احتكاك المفاصل وألم العمود الفقري
2) متلازمة الوهن المزمن وألم التليف العضلي
3) الصداع النصفي
4) القوباء المعدية Herpes zoster
5) التهاب المفاصل (الروماتويد)
6) حب الشباب
7) الاكزيما
البدانة البسيطة
9) التهاب الجلد العصبي Neurodermatitis
10) وهن الرياضيين
11) تقليل نسبة الكوليسترول الضار LDL
12) الإمساك التعودي لدى المسنين
13) شلل العصب الوجهي الحاد
14) ألم الركب الأمامي
ومع ذلك فلا تزال هناك حاجة ماسة لعمل المزيد من التجارب و الأبحاث حول الحجامة و تأثيراتها العلاجية وتقنين ممارستها و ضبطها مهنيا والاستفادة منها على الوجه الأمثل. فالطب الغربي بإمكاناته وتقنياته لم يكتشف كل الأمراض أو يعالجها كما أنه لم يستطع إزاحة الحجامة من الميدان بل ظلت ثابتة و راسخة فتطورت أدواتها ووسائلها. فاستُحدثت محاجم بلاستيكية تستخدم لمرة واحدة فقط للشخص الواحد وكذلك الشفرات الحادة وأدوات التعقيم هدفا لتقليل الإصابة بالأمراض و نقل العدوى كما أن ممارسة الحجامة اقتصرت في فترة من الفترات على ممتهنيها من الحلاقين, المعالجين الشعبيين, العطارين, وغيرهم. وبما أن الهيئات التنظيمية الرسمية كوزارة الصحة لم تعتمد الحجامة في المؤسسات التابعة لها من القطاعين الحكومي و الخاص وتقنن ممارستها . فقد وجد مناخ خصب لممارستها من قبل فئة معينة من غير الكفاءات الطبية و المرخصة بدون رقابة أو مرجعية. إلا انه ومع استمرار البحوث العلمية و التجارب الطبية الخاصة بالحجامة وتشجيعها ومن ثمّ تقنين الحجامة على المراكز الطبية والكفاءات المؤهلة ومراعاة الاشتراطات و المحاذير الصحية في ممارستها هدفاً لنشر العلم المفيد و النافع هو المأمول بأذن الله.